فصل: المجلس الرابع عشر في ذكر قصة شعيب عليه السلام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ولا تقعدوا بكل صراط} قال: طريق {توعدون} قال: تخوّفون الناس أن يأتوا شعيبًا.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {ولا تقعدوا بكل صراط توعدون} قال: بكل سبيل حق {وتصدون عن سبيل الله} قال: تصدون أهلها {وتبغونها عوجا} قال: تلتمسون لها الزيغ.
وأخرج ابن جرير وابي أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {ولا تقعدوا بكل صراط توعدون} قال: العاشر {وتصدون عن سبيل الله} قال: تصدون عن الإِسلام {وتبغونها عوجًا} قال: هلاكًا.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {وتبغونها} قال: تبغون السبيل عوجا قال: عن الحق.
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد {ولا تقعدوا بكل صراط توعدون} قال: هم العشار.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية عن أبي هريرة أو غيره شك أبو عالية قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسريَ به على خشبة على الطريق لا يمر بها ثوب إلا شقته ولا شيء إلا خرقته. قال: «ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا مثل أقوام من أمتك يعقدون على الطريق فيقطعونه، ثم تلا {ولا تقعدوا بكل صراط توعدون}».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {وما يكون لنا أن نعود فيها} قال: ما ينبغي لنا أن نعود في شرككم {بعد إذ نجانا الله إلا أن يشاء الله ربنا} والله لا يشاء الشرك، ولكن يقول: إلا أن يكون الله قد علم شيئًا فإنه قد وسع كل شيء علمًا.
وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن زيد بن أسلم: أنه قال في القدرية والله ما قالوا كما قال الله ولا كما قال النبيون ولا كما قال أصحاب الجنة ولا كما قال أصحاب النار ولا كما قال أخوهم إبليس. قال الله: {وما تشاؤون إلا أن يشاء} [الإِنسان: 30] وقال شعيب {وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله} وقال أصحاب الجنة {الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} [الأعراف: 43] وقال أصحاب النار {ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين} [الزمر: 71] وقال إبليس {رب بما أغويتني} [الحجر: 39].
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في الوقف والابتداء والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال: ما كنت أدري ما قوله: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} حتى سمعت ابنة ذي يزي تقول: تعال أفاتحك: يعني أقاضيك.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ربنا افتح} يقول: اقض.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: الفتح: القضاء. لغة يمانية إذا قال أحدهم: تعال أقاضيك القضاء قال: تعال أفاتحك.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {كأن لم يغنوا فيها} قال: كأن لم يعمروا فيها.
وأخرج ابي جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {كأن لم يغنوا فيها} قال: كأن لم يعيشوا فيها.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {كأن لم يغنوا فيها} يقول: كأن لم يعيشوا فيها.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة {فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم} قال: ذكر لنا أن نبي الله شعيبًا أسمع قومه، وأن نبي الله صالحًا أسمع قومه كما أسمع والله نبيكم محمد قومه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فكيف آسى} قال: أحزن.
وأخرج ابن عساكر عن مبلة بن عبد الله قال: بعث الله جبريل إلى أهل مدين شطر الليل ليأفكهم بمغانيهم، فألفى رجلاَ قائمًا يتلو كتاب الله، فهاله أن يهلكه فيمن يهلك، فرجع إلى المعراج فقال: اللهمَّ أنت سبوح قدوس بعثتني إلى مدين لإِفك مدائنهم فأصبت رجلًا قائمًا يتلو كتاب الله، فأوحى الله: ما أعرفني به هو فلان بن فلان، فابدأ به فإنه لم يدفع عن محارمي إلا موادعًا.
وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس. أن شعيبًا كان يقرأ من الكتب التي كان الله أنزلها على إبراهيم عليه السلام.
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال: في المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما، قبر إسمعيل وشعيب. فقبر إسمعيل في الحجر، وقبر شعيب مقابل الحجر الأسود.
وأخرج ابن عساكر عن وهب بن منبه. أن شعيبًا مات بمكة ومن معه من المؤمنين فقبورهم في غربي الكعبة، بين دار الندوة وبين باب بني سهم.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن وهب عن مالك بن أنس قال: كان شعيب خطيب الأنبياء.
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم عن ابن إسحاق قال: ذكر لي يعقوب بن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر شعيبًا قال: «ذلك خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه، فيما يرادهم به، فلما كذبوه وتوعدوه بالرجم والنفي من بلاده وعتوا على الله، أخذهم عذاب يوم الظلة، فبلغني أن رجلًا من أهل مدين يقال له عمرو بن حلها فما رآها قال:
يا قوم إن شعيبًا مرسل فذروا ** عنكم سميرًا وعمران بن شداد

إني أرى عينة يا قوم قد طلعت ** تدعو بصوت على ضمانة الواد

وإنه لا يروي فيه ضحى غد ** إلا الرقيم يحشى بين أنجاد

وسمير وعمران كاهناهم، والرقيم كلبهم»
. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {فَكَيْفَ آسى على قَوْمٍ كَافِرِينَ} كيف هنا مثل كيف في: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} [البقرة: 28] وتقدم الكلام على {آسى} وبابه.
وقرأ ابن وثاب وابن مصرّف والأعمش: {إيسى} بكسر الهمزة التي هي حرف مضارعة، وتقدم أنها لغة بني أخْيَل في الفاتحة، ولزم من ذلك قلب الفاء بعدها ياءً؛ لأن الأصل أأسى بهمزتين.
والأسى: شدة الحظن قال العجّاج: [الرجز]
وانْحَلَبَتْ عَيْنَاهُ منْ فَرْطِ الأسَى

والأسى: الصبر.
وفي المعنى قولان:
الأول: أنه اشتد حزنه على قومه، لأنهم كانوا كثيرين، وكان يتوقع منهم الإيمان، فلمّما نزل بهم الهلاك العظيم حصل في قلبه من جهة القرابة والمجاورة وطول الألفة حزن، ثم عزى نفسه وقال: {كيف آسى على قوم كافرين}، لأنهم هم الذين أهلكوا أنفسهم بإصْرارِهِمْ على الكُفْرِ.
الثاني: أنَّ المعنى: لقد أعْذَرْتُ إليكم في الإبلاغِ والنَّصِيحَةِ والتَّحْذِير مما حلَّ بكم؛ فلم تسمعوا قولي، ولم تَقْبَلُوا نَصِيحَتِي {فَكْيَفَ آسَى عَلَيْكُمْ}، بمعنى أنَّكُمْ لستم مستحقِّين بأنْ آسى عليكم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93)}.
بَيَّنَ أنه راعى حدَّ الأمر؛ فإذا خرج عن عهدة التكليف في التبليغ فما عليه من إقرارهم أو إنكارهم، من توحيدهم أو جحودهم؛ إِنْ أحسنوا فالميراثُ الجميلُ لهم، وإن أساءوا فالضررُ بالتألم عائدٌ عليهم، ومَالِكُ الأعيان أوْلى بها من الأغيار، فالخَلْقُ خَلْقُه والمُلْكُ مُلْكُه؛ إن شاءَ هداهم، وإن شاء أغواهم، فلا تأسُّفُ على نفيٍ وفقد، ولا أثر من كَوْنٍ ووجود. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {ولا تبخسوا} فيه أن البخاسة والدناءة والحرص والظلم من الصفات التي يجب تزكية النفس عنها فإن الله تعالى يحب معالي الأمور ويبغض سفسافها. {ولا تفسدوا في الأرض} أرض الطبيعة التي جبل الإنسان عليها {ولا تقعدوا بكل صراط} لا تقطعوا الطريق على الطالبين بأنواع الحيل والمكايد. {إذ كنتم قليلًا فكثركم} بالتناصر والتعاون في الأمور وبكثرة العدد والعدد نعمة تامة يجب أن تصرف في إعلاء كلمة الدين {وإن كان طائفة منكم} أي الروح والقلب {وطائفة لم يؤمنوا} وهم النفس وصفاتها {وهو خير الحاكمين} لا يجعل الروح والقلب المؤمنين تبعًا للنفس الكافرة في العذاب وإذاقة ألم الهجران {أو لتعودن في ملتنا} إشارة إلى أن كل جنس لا يميل إلا إلى أشكاله وإلا وجد في إيابه من يأمن نهج أضرابه {بعد إذ نجانا الله منها} في القسمة الأزلية {افتح بيننا} احكم بيننا وبينهم بإظهار حقيقة ما قدرت لنا من خاتمة الخير وإظهار ما قدرت لهم من خاتمة السوء {فأخذتهم الرجفة} فصارت صورتهم نبعًا لمعناهم فإنهم كانوا جاثمي الأرواح في ديار الأشباح {كأن لم يغنوا فيها} لأن الباطل زاهق لا محالة. اهـ.

.موعظة:

.قال ابن الجوزي:

.المجلس الرابع عشر في ذكر قصة شعيب عليه السلام:

الحمد لله القديم فلا يقال متى كان العظيم فلا يحويه مكان أنشأ آدم وأخرج ذريته بنعمان ورفع إدريس إلى أعالي الجنان ونجى نوحًا وأهلك كنعان وسلم الخليل بلطفه يوم النيران ويوسف من الفاحشة حين البرهان وبعث شعيبًا إلى مدين ينهى عن البخس والعدوان ويناديهم في ناديهم ولكن صمت الآذان {قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان} أحمده حمدًا يملأ الميزان وأصلي على رسوله محمد الذي فاق دينه الأديان وعلى صاحبه أبو بكر أول من جمع القرآن وعلى عمر الفاروق الذي كان يفرق منه الشيطان وعلى زوج الابنتين عثمان بن عفان وعلى علي بحر العلوم وسيد الشجعان وعلى عمه المستسقى بشيبته فأقبح السح الهتان قال الله عز وجل: {وإلى مدين أخاهم شعيبًا} قال قتادة مدين ماء كان عليه قوم شعيب وقال مقاتل مدين هذا هو ابن إبراهيم الخليل لصلبه وقال أبو سليمان الدمشقي هو مدين بن مديان بن إبراهيم والمعنى أرسلنا إلى ولد مدين فعلى هذا هو اسم قبيلة وشعيب هو ابن عيفا بن نويب بن مدين بن إبراهيم أرسل إلى مدين وهو ابن عشرين سنة وكانوا مع كفرهم يبخسون المكاييل والموازين فدعاهم إلى التوحيد ونهاهم عن التطفيف وكان يقال له خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه قوله تعالى: {قد جاءتكم بينة من ربكم} ولم يذكر معجزته {ولا تبخسوا المكيال والميزان} أي لا تنقصوا {ولا تفسدوا في الأرض} أي لا تعملوا فيها المعاصي بعد أن أصلحها بالأمر بالعدل {ولا تقعدوا بكل صراط} أي بكل طريق {توعدون} وإنما لم يقل بكذا لأن العرب إذا أخلت الفعل من المفعول لا يدل إلا على شر يقولون أوعدت فلاناَ وكذلك إذا أفردوا وعدت من مفعول فإنه لا يدل إلا على خير قال الفراء يقولون وعدته خيرًا ووعدته شرًا فإذا أسقطوا الخير والشر قالوا وعدته في الخير وأوعدته في الشر وللمفسرين في المراد بهذا الإيعاد ثلاثة أقوال أحدها أنهم كانوا يوعدون من آمن بشعيب قاله ابن عباس والثاني أنهم كانوا عشارين قاله السدى والثالث أنهم كانوا يقطعون الطريق قاله ابن زيد قوله تعالى: {وتصدون عن سبيل الله} أي تصرفون عن دينه {من آمن به وتبغونها عوجًا} أي تطلبون للسبيل عوجًا أي زيفا {واذكروا إذ كنتم قليلًا فكثركم} يحتمل ثلاثة أشياء أحدها كنتم فقراء فأغناكم وقليلًا عددكم فكثركم وغير ذي مقدرة فأقدركم وكانوا مع كثرة أموالهم قد أغروا بالتطفيف وكان من جملة ما ردوا عليه أصلاتك تأمرك أي دينك وقراءتك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا المعنى أو أن نترك أن نفعل وقرأ الضحاك بن قيس الفهري {ما تشاء} فاستغنى عن الإضمار وقال سفيان الثوري أمرهم بالزكاة فامتنعوا وقالوا: {إنك لأنت الحليم الرشيد} استهزاء به فخوفهم أخذات الأمم وقال: {لا يجرمنكم شقاقي} أي لا تحملنكم عداوتكم إياي أن تعذبوا وكان أقرب الإهلاكات إليهم قوم لوط فقال: {وما قوم لوط منكم ببعيد} فقالوا ما نفقه كثيرًا مما تقول أي ما نعرف صحة ذلك {وإنا لنراك فينا ضعيفًا}.